فوز ترامب- صراع المصالح وانكشاف العداء الأمريكي القادم؟

المؤلف: عبدالمحسن هلال08.16.2025
فوز ترامب- صراع المصالح وانكشاف العداء الأمريكي القادم؟

إنه لمن الوهم أن يظن أحد أن التظاهرات والاحتجاجات العارمة التي عمت أرجاء أمريكا اعتراضًا على فوز دونالد ترامب تمثل حركة غير ديمقراطية، بل هي تعبير عن إرادة شعبية لجماعة باتت الآن تمثل الأقلية، تسعى جاهدة لتأكيد مبدأ جوهري في الديمقراطية، ألا وهو صون حقوق الأقلية، ووضع قيودًا على جماح الرئيس المنتخب. إن ما حدث في حقيقة الأمر هو ثورة على النخبة الحاكمة، فقد ضاق الناس ذرعًا بالطبقة السياسية من كلا الحزبين، وملوا التردد الذي شاب فترة حكم أوباما لثماني سنوات، كما اعتبروا أن هيلاري كلينتون تمثل استمرارًا للمدرسة نفسها. هذا الوضع يشبه إلى حد كبير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بل ويشبهه البعض بحركات الربيع العربي، فشعوب هذه الدول سئمت من أكاذيب السياسيين التقليديين وتتوق لتجربة أساليب أخرى. ولا يجدر بنا أن نغفل حقيقة أن العالم بأسره يتجه نحو اليمين بشكل متزايد. وعلى الرغم من كل هذه الأحداث الجسام، فإن يومين في تاريخ أمريكا سيظلان محفورين في ذاكرة الأمريكيين، وهما يوما 11 سبتمبر و9 نوفمبر.

لقد تكرر سيناريو انتخاب جورج بوش الابن مع دونالد ترامب، فبالكاد صدق أحد إمكانية فوز بوش المتهور أو ترامب ذي الاندفاعية الظاهرة، إلا أن بوش تمكن من استمالة أصوات "المتدينين" في أمريكا ونجح في مسعاه، بينما استغل ترامب أصوات "القرويين" وحقق الفوز. لقد دفع الأمريكيون ثمن تهور بوش الابن، وسوف يدفعون ثمن اندفاع ترامب، تمامًا كما دفعوا في الماضي ثمن اندفاعات رئيسهم الأسبق رونالد ريغان في حرب النجوم. إنها أفكار جديدة يطرحها القادم مستغلًا عواطف المواطنين المحبطين، فيحققون النجاح في البداية، ثم ما يلبث كل شيء أن ينهار، اقتصاديًا في المقام الأول، لتعود الشعوب إلى ما كانت عليه، وتتكرر الدائرة نفسها، التي يسمونها ديمقراطية، وهي في حقيقة الأمر لعبة ديمقراطية ينجح فيها من يتقن استخدام أوراقها. لقد حقق ترامب الفوز على الرغم من عداء وسائل الإعلام الأمريكية وطبقة المثقفين والنخب الحاكمة في أمريكا، وبعثر أوراقهم جميعًا بمخاطبة رجل الشارع البسيط في الريف الأمريكي، بينما ترَك هيلاري تتسلى مع أطراف المشرق والمغرب الأمريكي.

من المؤكد أن ترامب سيضطر إلى التراجع عن الكثير من تصريحاته الانتخابية المستفزة، وسيتولى الشعب الأمريكي ذلك داخليًا إما عن طريق المظاهرات أو غيرها من الوسائل القانونية التي تتيحها لهم ديمقراطيتهم الراسخة. أما على الصعيد الخارجي، فالأمر يختلف تمامًا، وهذا ما يهمنا على وجه الخصوص، أي تصريحاته المعادية للأجانب، وخاصة المسلمين، وهل ستتحول هذه التصريحات إلى سياسات واقعية. صحيح أن صلاحيات الرئيس الأمريكي محدودة على الرغم من أن النظام رئاسي، وصحيح أن هناك الكونجرس بمجلسيه هو الراسم الحقيقي للسياسة الأمريكية، إلا أن الكونجرس القادم يتمتع بأغلبية جمهورية، والرئيس أيضًا جمهوري، وبالتالي فإن هذا الانسجام سيتيح الفرصة لتثبيت بعض أفكار ترامب في السياسة الخارجية، وهي أفكار تنطوي على الكثير من العداء. وما ينتظر العرب والمسلمين هو المزيد من العداء الأمريكي الصريح وغير المغلف، على عكس ما كان عليه الحال في السابق، بورق سوليفان المزخرف.

لا أزعم أننا سنشهد صراعًا مكشوفًا بين أمريكا والعالم الخارجي، ولكنه سيكون صراع مصالح، وسيفوز فيه من يستطيع تعزيز مصالحه. إن مقولة ترامب بأن أمريكا تُستغل بدون مقابل، تحتاج إلى من يوضح له من يستغل من، وأن حاجة أمريكا للوجود في المنطقة يجب أن يكون لها ثمن، فتأمين وحماية مصالحها لا بد أن يكون له مقابل، والتعاون الأمني معها له ثمن، فهل سيحسن العرب تقدير قيمة الخدمات التي يقدمونها مجانًا؟

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة